حقيقة المخدرات الرقمية

منذ أيام، أثارت أخبار الـ MTV قضية مخدّر رقمي جديد تعرّف عليه مؤخراً المراهقون اللبنانيون.
وفقاً للموقع الإلكتروني www.i-doserexposed.com ، "المخدرات الرقمية هي موسيقى أو أصوات تُبث عبر الـ mp3 وتتم تقويتها من خلال تردّد النقر بالأذنين أو نغمة رتيبة معينة. ويهدف هذا التردّد الى مضاعفة دورات موجات دماغية معينة. وعندما تُعزف في أذن..
المستمع إليها عبر السماعات لفترة طويلة، تصبح الموجات الدماغية للمستمعين متزامنة مع التسجيل من خلال عملية تُسمى "استجابة تعقّب الموجات".

وقام اللبنانيون بمشاركة هذا الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتقطت مواقع تواصل اجتماعية أخرى القصة وضخّمتها لتشكّل موجة من الذعر في لبنان، حتى بات الأهل على الأرجح يتحقّقون مما إذا كانت الآلات الإلكترونية التي لدى أولادهم تحتوي على أي موجات نقر بالأذنين، وحاول المهتمون بتعاطي المخدّرات الاستحصال على الخبر وعلى المخدرات الرقمية.

على الأرجح أنّ الناس يصدقون كل ما يسمعونه من الأخبار، حتى وإن كانت وسائل الاعلام في لبنان معروفة بنشرها أخباراً غير دقيقة.

بعد بحث مكثّف، كل ما استطعتُ العثور عليه بخصوص هذا المخدّر الرقمي الجديد هو حفنة من المقالات على مواقع إلكترونية لا تتمتّع بمصداقية كبيرة. ودعوني قبل أن أنسى أخبركم أنّ عمر هذه المقالات 4 الى 5 سنوات.

ولذلك قرّرتُ أن أتحدّث الى أحد الخبراء على أمل معرفة المزيد عن هذا المخدّر الجديد المعروف بالمخدرات الرقمية. وتحدّث موقع NOW الى الدكتور جوزيف الخوري، المعالج النفسي المتخصّص بشؤون الإدمان لدى الراشدين، للاستيضاح منه عن هذا الأمر، وهذا ما قاله:

NOW: هل سمعت عن المخدرات الرقمية؟

د. جوزيف الخوري: حتى تقرير mtv لم أكن قد سمعت عن المخدرات الرقمية. لا أتذكّر بأني التقيتُ أحداً يعاني من مثل هذا الإدمان. فأنا أعمل مع مدمنين يومياً، وعملتُ سابقاً في المملكة المتحدة، وأعمل اليوم في لبنان فلم يسبق لي أن سمعتُ بشأنه أو سمعتُ أحد زملائي يتحدّث عنه. وفي الواقع، نشر أحد زملائي اليوم موقفاً له على الفايسبوك، جاء فيه: "ليس لدي أي فكرة عما يجري".

ما فهمته من عرض التقرير، وقد فتشت في الإنترنت لكي أفهمه اكثر، فهو حسبما قيل إنك إذا استمعت الى أنواع معينة من النغمات ذات ترددات معينة، فإنّ تأثيرها يشابه تأثير بعض المخدرات. الفكرة هي أنّك إذا ما أردت معرفة تأثيرات بعض أنواع المخدرات يجب أن تكون قد سبق واستخدمتها، لذا أعتقد بأنّ الشخص الذي ربط بين الإثنين استخدم على الأرجح المخدرات وحاول ان يخلق التأثير نفسه الذي لها من خلال النغمات. المشكلة هي أنّه لا توجد اي دراسة، حتى الآن، تثبت علمياً بأنّ ثمة إدمان على [هذه الموسيقى]، أو أنها مؤذية بأي شكل من الأشكال.

ولكن ما نعرفه في كل الأحوال هو بأنّ في إمكاننا استخدام الصوت من أجل الاسترخاء، ويمكن استخدام الصوت لخلق قلق وتوتّر. فإذا ما تُركتَ تستمع الى صوت صرير لساعتين سوف تفقد صوابك. وعلى سبيل المثال، إذا وُضعت في غرفة لا صوت فيها ولا ضوء، لثلاث ساعات تقريباً، سوف تبدأ بالهلوسة. ولذلك إذا ما أخذت الـ MTV أو أي قناة أخرى الموضوع من وجهة نظر قانونية، فكيف سيقومون بمراقبة من يجلس في غرفة لثلاث ساعات في الظلام؟

أنا لا أقول بأنّه علينا أن نتجاهل تماماً هذا الأمر، كل ما أقوله هو إنه في حال كان هناك أولاد يستمعون فعلياً لهذه الأمور على نحو يومي، ويعانون من آثار جانبية من جراء ذلك، فالسؤال الذي يُطرح هو: ما مشكلة هؤلاء الأطفال أصلاً؟ وهم على الأرجح يكونون قد جرّبوا أموراً أخرى أيضاً، فالأمر يتخطّى هذه التجربة فحسب، وهناك الكثير من الأمور الاكثر خطورة التي تحصل في المدارس والجامعات اللبنانية والتي يجب أن نقلق بشأنها. والأمر الأهم في الواقع هو بأن تتعاون الشرطة مع متخصصين لفهم هذه النزعة الى تعاطي المخدرات والاسراف في معاقرة الكحول في لبنان، بحيث نتمكن من تبنّي استراتيجيات عصرية.

القلق من النقر بالأذنين هو مجرّد تحويل للأنظار عن [الخطر الأهم]، وأنا محبط فعلياً من عدم لجوء الـ MTV الى استشارة أطباء، أو أي شخص يفهم بأمور الدماغ على الأقل. هذا يُعتبر تصرفاً يفتقر الى المسؤولية لأنّ جميع الأهالي باتوا قلقين على أطفالهم اليوم.

إذا كان الموضوع جدياً، لكنّا قرأنا عنه الكثير من الامور على الانترنت. ثمة موقع إلكتروني يُدعى erowid.org، متخصّص في كل ما يمت بصلة الى المواد الكيميائية أو المواد المنشطة نفسياً وهو ليس موقعاً طبياً، بل يديره أشخاص ليس لديهم أي مواقف من موضوع المخدرات، ولذلك تجد بين مستخدميه أشخاصاً يتحدثون عن كل ما تريد معرفته، ومع هذا لم أجد شيئاً [على الموقع] على علاقة بهذا الأمر. ولذلك ليس لدي علم... إلاّ بهذا التقرير الذي ورد على الـ MTV ومواد أخرى من دول الخليج، حيث أعلم بأنهم يتحدّثون بأمورتافهة... ويقلقون بسببها.

لا أعتقد بأن ثمة أي شيء يدفعنا الى القلق. إذا كانت هناك حالات فردية، أعتقد بأنّه يجب علينا أن ننظر الى هذه الحالات بحد ذاتها ونحاول فهم حقيقة ما يجري مع هؤلاء الأشخاص، ولكنّي لا أحمّل هذه النغمات التي تُبثّ عبر السماعات مسؤولية ما يعاني منه هؤلاء الأطفال مهما كان نوع معاناتهم.

لا يوجد ما يكفي من الأدلة التي تثبت بأنّ هناك خطراً يؤدي الى إدمان. الجواب المختصر على ذلك هو: لا يوجد ما يكفي من الأدلة لإثبات ذلك.


بالاستناد الى مقابلة NOW مع الدكتور خوري، لا توجد أي دراسات علمية او أدلة على أنّ هذه المخدرات الرقمية الجديدة، مؤذية. ولكن المؤذي هو وسائل الإعلام اللبنانية التي تثير قضايا مماثلة وتثير الرعب في نفوس اللبنانيين من دون أن تتحقّق من صحة الخبر أو تعمد الى استشارة اختصاصيين. ولا سيّما عندما تستخدم فيديوات تجدها على اليوتيوب- تعود الى عام 2012- لم تحظ سوى بـ 141 مشاهدة ولا يرافقها أي وصف أو شرح من أي نوع كان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق